قـالت سـارة:
مرّت ثلاثة أسابيع على ولادتي ليحيى .. زاد وزنه قليلاً واستدار وجهه، وظهرت ملامحه أكثر .. عمر يصرّ إنـّه شبهه وأنا أحلف إنـّه شبهي أنا..!! أصبح يعرف صوتي .. عندما أناديه أو أتحدث بصوت مرتفع بجواره ينصت ويتوقف عن البكاء .. وماما بتقول لي إنه بيعرف رائحة أمه من يوم الولادة .. سبحان الله ..
وطبعا لا علاقة له بعمر أبداً، لأنه حتى الآن يعجز عن حمله بصورة صحيحة، ويكتفى بملاعبته وهو على كتفي لدقائق قصيرة .. وده لأن أنا نفسي باشوفه طول اليوم لساعات قليلة علشان الشغل الجديد .. وأحيانا يأتي ولا نراه ..
أنا سعيدة جداً بيحيى، وأشعر أنه أعطى حياتي طعماً جديداً .. وأستعجب كيف كنت أعيش بدونه
.. لكن في نفس الوقت أشعر بشعور رهيب من الحزن والإكتئاب والرغبة الدائمة في البكاء لأقل الأسباب .. وأحياناً بدون أسباب .. لا أعرف سبب رغبتى الجديدة في تذكر كل الأحداث الحزينة التي مرت عليّ، وتخيل ما يمكن أن يحدث من سوء لي وليحيى ولعمر
.. وعندما يتعطف عليّ يحيى باشا ويسيبنى أنام أحلم أحلام سيئة جدا بأنى دائما بأفقد يحيى و.. و.. و..
أحيانا أرفع سماعة التليفون كي لا يكلمني أحد على الإطلاق حتى ماما .. حتى الأكل بآكل غصب عني ولا أشعر بمذاق أي شيء .. ولا رغبة عندي أن استمع إلى عمر وهو يحكى لى كل يوم عن عالمه الجديد بمنتهى الحماس .. وأنا أسمعه وكأنى من عالم آخر ..
قـال عمـر:
ياخبببببببر!!! ده أنا كنت مدفون في شركتي القديمة .. ده أنا كنت بأمثل إني باشتغل مهندس والظاهر إني كنت شيخ غفر ..
الشركة الأجنبية الجديدة شغلها من نار .. مفيش دقيقة دلع ولا رغي في التليفون، ولا شرب شاي وسندويتشين فول .. ولا مجال للخطأ أو التهاون لأنهم يطبقون في العمل نظام الأفضلية فقط .. ولو تهاون أحد فلا مكان له، ويستبدل بمهندس غيره في يومين على الأكثر ..
مواعيد تسليم المشاريع لا يمكن التأخير فيها إلا لو مت مثلا .. والأكثر أنـّك لا تؤدى العمل المطلوب منك فقط ولكن طول الوقت مطلوب منك أن تطور نفسك وتطور الشركة بأفكار ومشاريع جديدة تساعد على تقدم سير العمل وتطور الأداء .. وهذه الافكار يؤخذ عليها نقاط توضع في ملف كل مهندس، وعلى أساسها تتم ترقيته على قدر عمله .. وليس عن طريق الأقدمية أو عن طريقنا المفضل وهو أن من ينقل كل أخبار الموظفين ويكون جاسوس عليهم يكون هو حبيب المدير وأهم موظف في الشركة .. حتى لو كان لم يدخل حتى محو الأمية ..
قـالت سـارة:
ماما قالتلي إن الغم اللي أنا معيّشة نفسي فيه سببه إكتئاب ما بعد الولادة، وده بيحصل لأمهات كتير .. إستغربت جوايا وقلت ليه ربنا يدينا نعمة زى الأمومة ونكتئب؟
حاولت أقرا في الموضوع ده، ودخلت على الإنترنت ولقيت إنه بيحصل من إضطراب الهرمونات بعد الولادة، لأنها بتهبط فجأة بعد ما كانت مستقرة طول شهور الحمل .. واترعبت لما لقيت حالات في أوروبا وأمريكا دخلوا حالة مرضية من الإكتئاب وقتلوا أولادهم .. ومنهم إنتحروا .. أعوذ بالله ربنا يستر ..
لا .. لازم أحاول أخرج من الحالة دي قبل ما أتجنن .. ح أحاول أسمع قرآن مادمت مش قادرة أقراه .. أحاول أقرأ الجرايد تاني أو أروح للكوافيرة اللي نسيت عنوانها فين .. بس والله غصب عني .. كل ما باشوف شكلي في المراية وإن وزني زاد شوية بأعيط .. ولما بأحس إني معزولة عن العالم وكل حياتي داخل الكوافيل والرضعات والبكاء المستمر باكتئب .. ولا شعورياً باحس إن عمر هو السبب فى كل اللي حصلّي .. فبابعد عنه أكتر وأكتر ..
هو كمان مشغول جداً في شغله ولا يفكر أن يشاركني في تربية يحيى .. حتى إنو ساب أوضة النوم وأصبح ينام لوحده في الغرفة الصغيرة .. طبعاً من كونشرتو آخر الليل للباشا يحيى .. وعندما أغضب وأطالبه ألا يتركني وحيدة يتعلل بأنه لازم ينام كويس علشان يعرف يشتغل الصبح، لأن الناس دى ما بتهزرش ..
طيب وأنا أعمل إيه؟ هو ابني لوحدي؟ .. ده غير إني أصلا مش بانام طول الليل، والصبح مطلوب مني إني أراعي البيت وأنضف وأطبخ .. غير المعارك اليومية ليحيى والتي لا تجعلنى أجد وقت لانجاز كل الكوارث اللي ورايا دي .. بجد حاسة إن أنا وعمر بعدنا عن بعض .. كل واحد في أوضة، وبينام بدري لأنه بيرجع متأخر من الشغل الجديد، وأنا أفضل وحيدة .. ومش عاوزني بعد ده كله أكتئب؟
قـال عمـر:
خلاص الظاهر شهر العسل خلص خلاص وحيبتدى الجواز الأصلي .. مش عارف أتكلم مع سارة ولا نقعد مع بعض زى زمان .. يا إمّا نايمة لأنها سهرانة طول الليل مع يحيى، يا إمّا بتجرى تحضر له رضعاته أو بتغيّرله .. يا إمّا مكتئبة ومش عاوزة تتكلم خالص .. أنا بجد مش عارف أعمل إيه؟ ومش عارف أساعدها إزاي .. يعني أسيب شغلي وأقعد أرضع يحيى؟!!
بجد سعيد جداً بأني بقيت أب .. ولو خيرونى بين كنوز الدنيا وبين يحيى أختار إبنى طبعاً .. بس حاسس إني خلاص بقيت في المرتبة التانية عند سارة .. والله وارتكنت على الرف يا عم عمر ..
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
قـالت سـارة:
النهاردة يحيى باشا كمل شهرين بالتمام والكمال .. خلاص بقى راجل قد الدنيا ومحدش عارف يكلمه .. بقى بيضحك لما ألاعبه .. بجد بجد إبتسامته لايمكن توصف .. بتمسح عني أي تعب أو ألم .. والظاهر هو عارف كده .. بيعمل كل كارثة والتانية، وبعدين يبتسم لي كأنه بيديني رشوة .. آآآآه واضح إن جينات الرجولة بتتخلق من بدري أوي .. لا وواضح إنه ح يبقى شقى جداً .. عاوز يرفع دماغه على طول علشان يعرف إيه اللي بيحصل في الدنيا من وراه .. ولا يقبل أي تأخير في طلبات سيادته، ولو لدقيقة واحدة، بيكون كل الشارع سمع صوتنا ..
بس بجد كل يوم باسأل نفسي إزاي كنت عايشة في الدنيا من غيره؟؟ .. صحيح إنى نسيت النوم والراحة والخصوصية بس سبحان الله ربنا بيعوض كل ده بكنز خاص إسمه الأمومة ..
قـال عمـر:
المدير عاوز تصميم المشروع الجديد جاهز في أقل من شهر .. حتى لو اضطريت إني أبات في الشركة أنا وزمايلي .. مش مشكلة، المهم يتسلم فى ميعاده بالثانية .. أمال ليه إحنا فى شركاتنا العربية كل حاجة ماشية بالبركة؟ وعادى جداً إننا نسمع عن مستشفى مثلاً بيتبنى في عشرة وعشرين سنة كمان؟ .. طبعاً كل ده مش وقت للبناء بس بيشتغلوا يوم ويريحوا شهر ..
فعلا مش قادر على ضغط الشغل، حاسس إني مطحون وكل حاجة عندي بالدقيقة والثانية .. وأنا كمان في مرحلة إثبات الذات في الشركة .. وغير مسموح لي بأى خطأ أو تهاون ..
وللأسف جو البيت لم يعد مشجع زي زمان .. سارة طول الوقت عينيها بتتهمنى بالتقصير ناحيتها وناحية يحيى، رغم إنها لم تصرح بده بس أنا باحس بيها .. لكن أعمل إيه؟ بارجع البيت باكمل شغل على الكومبيوتر والإنترنت، وبالعافية بانام كام ساعة ..
مفروض إني أسيب ده كله وأسيب الدوامة دي وأسألها يحيى رضع كام مرة النهاردة؟ .. ستات رااااايقة ..
قـالت سـارة:
إجازتي من شغلي انتهت وكان لازم أرجع وإلا يستغنوا عن خدماتي ويجيبوا حد تاني .. وكان قرار صعب جداً إني أرجع ولا أقعد في البيت وخلاص .. كنت محتارة جداً في القرار والكل كان رأيه إني أتفرغ لتربية يحيى وخلاص .. وأولهم عمر طبعاً ..
وأنا كنت حاسة إنها حاجة صعبة جداً .. إني مش لاقية وقت أخرج ولا أنام زي البني آدمين الطبيعيين .. لا وكمان أصحى بدري وأشتغل .. وحالة الإكتئاب اللي كانت عندي ـ واللي الحمد لله انتهت بمرور الوقت وبتقربي الى الله ـ ساعدت كمان إني ما يكونش عندي قدرة إني أعمل أي حاجة تانية .. لكن بمرور الوقت أصبحت أفضل في رعاية يحيى وبقيت باعرف هو بيبكي ليه .. وحاولت أنظم مواعيد رضعاته، فحسيت إني لازم أرجع أشتغل تاني وخصوصاً إني لا يمكن ح ألاقي وظيفة إني أشتغل من البيت تاني .. فصليت صلاة الإستخارة وحسيت إن ده مستقبلي حتى لو كان بسيط .. بس أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال .. حتى لو تعبت شوية، لكن أكيد ح أتعود .. ولو ما تعبتش دلوقتى فى شبابى ح أتعب إمتى؟
لكن الأيام الأولى كانت إنتحار بجد .. طول الليل سهرانة مع يحيى وبينام بعد الفجر .. يادوب أصلي وأنام ساعتين وأصحى أقعد على الكومبيوتر وأبدأ فى إرسال الإيميلات والرد على العملاء .. بس طبعا بامووووت من التعب .. وأحيانا كنت بانام وأنا قاعدة وأصحى مفزوعة من صوت التنبية في الرسايل اللى بتوصل كل ثانية .. وأفضل أشرب شاى وقهوة لحد ما أفوق .. وفي خلال كل ده أرتب البيت بسرعة، ويحيى معايا طبعاً باعمل له كل طلباته بدون توقف لحد ما ينتهي العمل الساعة 3 وبأكون خلصت الغداء .. وبأحاول أنيّم يحيى وأنام جنبه ولو ساعة أو ساعتين وبعدها أصحى أستعد لحضور عمر الساعة ستة .. آآآآآآآآآه يارب ساعدني
مع تحياتى ادمن زكريات